المسلمون في الهند في مرمى النيران وسعي حكومي لتحويلها إلى جمهورية هندوسية
وشهد العام الذي يستعد للرحيل تعرض المسلمين في ولاية آسام شمال شرقي الهند لإجراءات قمعية، وصلت إلى حد القتل والتهجير، من جانب الحكومة الهندوسية التابعة لحزب بهاراتيا جاناتا الذي يتزعمه مودي، وهي إجراءات متسقة مع سياسة اضطهاد المسلمين في أكبر ديمقراطيات العالم، والتي يطبقها مودي منذ مجيئه إلى سدة الحكم.
وكانت البشاعة والوحشية، التي أظهرها مقطع فيديو انتشر لقتل شاب مسلم في ولاية آسام والقفز على جثته، إلى تسليط الضوء أخيراً على ما تقوم به حكومة مودي الهندوسية؛ إذ كان رواد مواقع التواصل الاجتماعي قد تداولوا الإثنين 27 سبتمبر/أيلول فيديو يوثّق اعتداء أفراد من الشرطة الهندية على شاب مسلم، ما أدى إلى وفاته في ولاية آسام شمال شرقي البلاد.
وأظهر الفيديو عدداً منأفراد الشرطة الهندية وهم يطلقون الرصاص من مسافة قريبة على شاب قالت وسائل إعلام محلية إنه مسلم، ثم واصلوا ضربه بالعصي، فيما تقدم أحد الصحفيين وقام بالقفز على جثة الشاب المسلم ووجَّه له لكمات عنيفة، فيما قالت مواقع إخبارية هندية إن الصحفي الذي شارك في الجريمة يُدعى (بيجوي بانيا) وهو مصوّر استأجرته سلطات المدينة لتوثيق حملة الإخلاء التي تقوم بها السلطات بحق المسلمين.
دعوات هندوسية لقتل المسلمين
نشرت صحيفةNew York Times الأمريكية تقريراً بعنوان “صمتٌ من قادة الهند إزاء دعوات متطرِّفين هندوس لقتل المسلمين”، رصد قيام المئات من النشطاء والرهبان الهندوس اليمينيين في مؤتمرٍ عُقِدَ الأسبوع الأخير من عام 2021 ليقسموا على أن يحوِّلوا الهند، الجمهورية العلمانية دستورياً، إلى أمةٍ هندوسية، حتى لو تطلَّب ذلك الموت والقتل.
وقال بوجا شكون باندي، زعيم حزب هندو ماهاسابها، وهو حزبٌ يعتنق القومية الهندوسية المتشدِّدة، في إشارة إلى مسلمي البلاد: “إذا كان مائة مِنَّا مستعدين لقتل مليونين منهم، فسننتصر ونجعل الهند دولة هندوسية. كونوا مستعدين للقتل والذهاب إلى السجن”.
حتى بمعايير الاضطهاد المتزايد الذي يواجهه المسلمون في الهند، فإن المؤتمر الذي استمر لمدة ثلاثة أيام في مدينة هاريدوار، على بعد 150 ميلاً شمال نيودلهي، أسفر عن أكثر دعوات العنف إثارةً للقلق في السنوات الأخيرة، بحسب وصف الصحيفة الأمريكية.
ضمَّت القاعة المُكتظَّة، التي دعا فيها رهبان هندوس يمينيون آخرون إلى تسليح أنفسهم وقتل المسلمين، زعماءً دينيين مؤثِّرين تربطهم علاقاتٌ وثيقة بحزب رئيس الوزراء ناريندرا مودي الحاكم، وحتى بعض أعضاء الحزب.
وانتشرت مقاطع الفيديو من المؤتمر على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي في الهند هذا الأسبوع. ومع ذلك، حافظ مودي على صمته، الذي يقول مُحلِّلون إنه يمكن تفسيره من جانب مؤيديه الأكثر تطرفاً على أنه إشارةٌ ضمنية لتوفير الحماية لهم.
كانت الشرطة، التي تسجن النشطاء الحقوقيين بسهولةٍ بتهمٍ تفتقر إلى الأدلة، بطيئةً في اتخاذ الإجراءات، وحتى الجماعات السياسية المعارضة كانت مقيدة في ردها، وهو مؤشر على الدرجة التي سيطرت بها القومية الهندوسية اليمينية على البلاد منذ أن تولى السيد مودي منصبه في عام 2014.
حكومة مودي تلتزم الصمت
تأتي التصريحات التحريضية في الوقت الذي تجري فيه بعض الولايات التي يحكمها حزب بهاراتيا جاناتا، بزعامة مودي، انتخاباتها، بما في ذلك ولايات أوتار براديش، وأوتارانتشال، حيث عُقِدَ المؤتمر. وكان مودي مشغولاً في ولاية أوتار براديش لصالح حملة يوجي أديتياناثن، تلميذه المتشدِّد ورئيس وزراء الولاية، الذي كثيراً ما أثار الكراهية ضد المسلمين.
وقد أُبلِغَ عن حوادث متعدِّدة من العنف ضد المسلمين خلال موسم الانتخابات، بما في ذلك الهجمات من قبل الغوغاء الذين يحاولون إغلاق الأعمال التجارية المملوكة للمسلمين.
وقال جيل فيرنيرز، أستاذ العلوم السياسية في جامعة أشوكا بالقرب من نيودلهي، للصحيفة الأمريكية: “لم يتبق سوى عددٍ قليل من القادة السياسيين الذين يذكرون الحاجة إلى الحفاظ على علمانية الهند”، وأضاف: “قد يواجه حزب بهاراتيا جاناتا تحديات سياسية متزايدة، لكنه انتصر في حربه الثقافية، مع تأثيراتٍ دائمة على ديمقراطية الهند وعلى أكبر أقليةٍ في البلاد”.
وعلى مدى سنوات طويلة، كان القوميون الهندوس اليمينيون يدعون إلى العنف، لكن العنف امتدَّ مؤخراً إلى الشوارع. تعرَّض بائعو الفاكهة المسلمون للضرب والسرقة بعد اتِّهامهم بإغراء النساء الهندوسيات بالزواج من أجل تحويلهن إلى الإسلام. وتعرَّض النشطاء المسلمون للتهديد بالمقاضاة بموجب قانون مكافحة الإرهاب.
وفي الأشهر الأخيرة، واجه القوميون الهندوس في جوروغرام، وهو مركز تكنولوجي رئيسي يبعد حوالي 15 ميلاً جنوب نيودلهي، المسلمين أثناء صلاة الجمعة. قطعت عصابات من الهندوس اليمينيين الصلاة وهتفوا “جاي شري رام”، وهذا هو اسم أحد الآلهة الهندوسية الرئيسية، وقد أصبح هتافاً لمعركة القوميين الهندوس.
قال نياز فاروقي، وهو مسلم يعمل في صالة عرض للسيارات في جوروغرام، لنيويورك تايمز: “نفقد كلَّ شيءٍ في هذا البلد، بما في ذلك الحقُّ في العبادة، وهذا حقٌّ منحنا دستور هذا البلد إياه”.
توظيف القومية الهندوسية انتخابياً
يوم الجمعة 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، أي بعد أربعة أيام من انتهاء المؤتمر التحريضي ضد المسلمين، وبعد تداول مقاطع الفيديو على نطاق واسع، أعلنت الشرطة في أوتارانتشال أنها فتحت تحقيقاً، لكنها لم تجر أيَّ اعتقالات. وقال المسؤولون إنهم سجَّلوا قضية ضد منظمي المؤتمر بتهمة الترويج لـ”العداء بين الجماعات المختلفة على أساس الدين”، وهو ما قد يعني عقوبة السجن لمدة خمس سنوات.
وقال أشوك كومار، ضابط شرطة رفيع المستوى في ولاية أوتارانتشال، للصحيفة الأمريكية: “سنجري التحقيق وفقاً للقانون، ولن يكون هناك تسامحٌ مع مثل هذه الأنواع من الحوادث”.
خلال المؤتمر، قال سوامي برابودان جيري، رئيس منظمة هندوسية يمينية في أوتارانتشال، إن البلاد تنتمي الآن إلى الهندوس. وقال وهو يشير إلى المسلمين: “كما في ميانمار، على الشرطة هنا والسياسيين هنا والجيش وكل هندوسي أن يحملوا السلاح، وعلينا أن نقوم بحملة النظافة هذه. لا يوجد حلٌّ غير هذا”.
ورفض مساعدو برابوداناند طلبات الصحيفة للتعليق على تحريضه ضد المسلمين. وأظهرت مقاطع فيديو من المؤتمر أيضاً سوريش شافانك، رئيس قناة إخبارية، يؤدي قسماً لتحويل الهند إلى دولة هندوسية.
وقال: “نتخذ قراراً حتى أنفاسنا الأخيرة: سنجعل الهند أمةً هندوسية، ونبقيها أمةً هندوسية فقط”. وأضاف: “سنقاتل ونموت إذا لزم الأمر، وسنقتل كذلك”. ثم قام بتغريد مقطع فيديو للقسم أمام نصف مليون متابع له على منصة تويتر.
ويقول مراقبون سياسيون إن الحكومة تسمح بخطاب كراهية من هذا النوع بالتزام الصمت في وجه دعوات العنف، وهو صمتٌ أكَّده خضوع المعارضة السياسية. قال نيلانجان موخوبادهياي، كاتب سيرة مودي الذي كتب على نطاق واسع عن صعود اليمين الهندوسي، إن قادة حزب بهاراتيا جاناتا القدامى ظنوا أن بإمكانهم استخدام القومية الهندوسية لتعبئة الناخبين، ثم بعد ذلك أن يحتووا هذه الأيديولوجيا. لكن هذه الحسابات جاءت بنتائج عكسية في العام 1992، حين هَدَمَ نشطاءٌ هندوس مسجداً كبيراً.
وأعرب العديد من القادة القدامى من حزب بهاراتيا جاناتا عن أسفهم لهذه الواقعة، لكن مودي لا يشعر بأيِّ مخاوف من هذا القبيل، على حدِّ وصف موخوبادهياي في كتابه الأخير.
وفي 5 أغسطس/آب 2019، ألغت حكومة مودي المادة 370 من الدستور، والتي كانت تكفل الحكم الذاتي في جامو وكشمير ذات الأغلبية المسلمة الوحيدة في البلاد ومن ثم تقسيمها إلى منطقتين تديرهما الحكومة الفيدرالية.
وكان إقليم جامو وكشمير منذ عام 1954، يتمتع بوضع خاص بموجب الدستور الهندي، الذي سمح للولاية بسن قوانينها الخاصة، إلى جانب حماية قانون الجنسية، الذي منع الغرباء من الاستقرار في الأراضي وامتلاكها. وأصدرت حكومة مودي تشريعات تمنح مواطنيها الهندوس، الذين عاشوا في جامو وكشمير لمدة تزيد على 15 عاماً، صفة مواطن محلي لتمكينهم من امتلاك الأراضي والإقامة والعمل، إضافة إلى تقلد المناصب العامة.
وفي مقابلة مع الأناضول، بالتزامن مع حلول الذكرى الأولى لإلغاء الهند للحكم الذاتي بولاية جامو وكشمير، اعتبر المفوض السابق للحكومة الهندية محمد مختار أنصاري أن “القرار المتعجل من الهند، يُنظر إليه على أنه محاولة لتغيير ديموغرافيا (التركيبة السكانية) لإقليم كشمير؛ لتلبية رغبات الجماعات اليمينية الهندوسية، التي تطالب علناً بتغيير في تركيبة السكان للحصول على مزايا انتخابية”.
وفي هذا السياق أيضاً، أقرت حكومة مودي قانوناً سمته “قانون المواطنة”، وصفته منظمات حقوقية دولية بأنه يمثل خطراً على الأقلية المسلمة في البلاد، حيث حذرت شبكة حقوق الإنسان في جنوب آسيا أن التضييق على المجتمع المدني والمعارضة في الهند قد جعل البلاد مكاناً خطيراً على الأقلية المسلمة.