أكّـد مستشار رئيسُ المجلس السياسي الأعلى بصنعاء، سعادة السفير عبد الإله حجر، أن تحرير مأرب خيار استراتيجي لا رجعة عنه، وأن مبادرة قائد الثورة لا تزال قائمة.
وقال حجر في حوار خاص لصحيفة المسيرة: إن القيادة السياسية والثورية حريصة على أن يتم عودة الشعب اليمني بأكمله إلى لُحمة الوطن، وأن ينفَكَّ من عبودية النظام السعوديّ والنظام الإماراتي ومن يقف خلفهما.
وَأَضَـافَ الدكتور حجر أن القيادة الثورية والسياسية حريصة على أن يكون هناك انتصار دون إراقة لدماء المدنيين.
وأشَارَ إلى ضرورة تحرير مأرب لكسر شوكة العدوان والحصار، لافتاً إلى المكاسب الاستراتيجية والسياسية التي سيحقّقها أبطال الجيش واللجان الشعبيّة عند تحرير مأرب من قوى العدوان الأمريكي السعوديّ وأدواتهم التكفيرية المرتزِقة.
ونوّه إلى حرص القيادة على لمِّ الشمل وحقن الدماء، مؤكّـداً أن رفض تحالف العدوان وأدواته للمبادرات المتكرّرة التي تطلقها صنعاء، هو ما زاد من عمر الحرب على اليمن وسط صمت أممي مطبق.
واستعرض الدكتور حجر جملة من القضايا تستعرضها صحيفة المسيرة في نص الحوار تالياً:
المسيرة: حاوره أحمد داوود – محمد الكامل
– تتسارع وتيرة المعارك المسلحة على تخوم مدينة مأرب.. ما أهميّة تحرير المدينة سواء على المستويات السياسية أَو العسكرية أَو الاقتصادية؟
تحريرُ مدينة مأرب، أعتقدُ أنه خيارٌ استراتيجي ولهُ دلالاتٌ سياسية، فالمرتزِقةُ أَو الخونة الموجودون في فنادقِ الرياض يعتبرونها مركَزَ تجمع وحشد، ومركَزاً اقتصادياً لهم، فالبترولُ والغاز موجود بمأرب، وَإذَا تحرّرت المدينة فَـإنَّ ذلك يعتبر نهايةً لهم.
وما أود تأكيده أن المرتزِقة الآن في موقع “دفاع”، بعد أن كانوا يوهمون العالم بأنهم على مشارف صنعاء، وسيدخلونها خلال ثلاثة أَيَّـام، وقد مرت سبع سنوات الآن، والمعادلة متغيرة تماماً، فنحن على مشارف مأرب، وقد أصبحت شبه محرّرة، والإصلاح كانت رهاناته خاسرة، بعد أن فضل الانضمام مع تحالف العدوان ضد وطنه وشعبه، وبعد أن عملت قياداته ضمن أهداف تخدم مصالح أمريكية وصهيونية.
– في الجانب العسكري تمكّنت القوات المسلحة من إسقاط طائرات مسيَّرة كثيرة تابعة للعدوان منها أمريكية وصينية.. ما سر تنامي القدرات العسكرية اليمنية على الرغم من مرور 7 سنوات من العدوان والحصار؟
الحاجة أُمُّ الاختراع، ونحن وصلنا إلى ما هو أشدُّ من الحاجة، فنحن في حالة عدوان غاشم تقوده الولايات المتحدة الأمريكية بطائراتها، وبإمْكَانيات عسكرية كبيرة، وهي تنفذ عدواناً غاشماً على بلادنا منذ ٢٦ مارس 2015م حتى يومنا هذا، وأمام ذلك لم يكن أمامنا إلَّا أحد الأمرين، إما الاستسلام وهذا يحوّلنا إلى عراقٍ آخر ودخول داعش والقاعدة، وقد تحدث انتهاكات وجرائم بعيدة عن الدين والإنسانية، والأمر الآخر أن نحاول الاستفادة من قدراتنا، إمْكَانياتنا البشرية، فنحن لدينا عقول في كُـلّ المجالات، وللأسف لم يتح لها العملُ من قبلُ؛ لأَنَّ من كان يحكمنا هم رؤساءُ جَهَلَة، إلَّا أن ما حصل فيما بعد، حركت هؤلاء الأبطال، واستطعنا أن نصنع أسلحة بسيطة، لكنها مؤثرة وقادرة على المواجهة.
– كيف سيؤثر تحرير مأرب على مسار المفاوضات القادمة مع قوى العدوان والمرتزِقة؟
لا أعتقد أنه ستكون هناك مفاوضات إلا إذَا كانت تتعلق بالجانب العسكري، وانسحابات من الأراضي اليمنية المحتلّة، وَإذَا كانت هناك أيةُ مفاوضات تتعلق بمسارات داخلية، سنقوم بها نحن، وستتم بيننا، ولن تكون هناك وَصاية لا من أمم متحدة، ولا من الولايات المتحدة ولا قوى تحالف العدوان.
– خلال الأشهر الماضية استقبلت صنعاءُ عدداً من قبائل مأربَ بحفاوة وكرم الضيافة.. ما الرسالةُ من ذلك برأيكم؟
رسالتنا أن هناك مبدأً واحداً، وأن مبادئَنا لا تتجزّأُ وليست هناك أحقاد، ولا مؤامرات، ولا ثقافة الانتقام، والقتل، والتشريد التي يقوم بها أعداؤنا من دول تحالف الشر، ومن يواليهم من داعش والقاعدة، وبالتالي نحن نرحب بكل من يعود إلى صف الوطن، فالوطن للجميع وليس لأحد، وما يشيعونه من أخبار تحاول أن تشوه الجانب الوطني لا حقيقة لها؛ لأَنَّ الشعب اليمني بأكمله يقاتل ويدافع عن بلده، ونحن في موقع الدفاع عن وطننا، وقد اتخذنا هذه الاستراتيجية منذ بداية العدوان، ولهذا من أراد العودة إلى حضن الوطن، ومن أراد أن يستسلم ويعود إلى رشده، فالباب مفتوح، لا يوجد أي انتقام، وبالتالي من هذا المنطلق، ومن منطلق مبادرة قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي –حفظه الله- المتعلقة بمحافظة مأرب، فقد عادت الكثير من القبائل إلى حضن الوطن، ووجدوا أنفسهم بين أهاليهم دون أية رائحة انتقام، أَو موقف تسوده الكراهية.
– ما الذي تسعى إليه القيادة الثورية من احتواء قبائل مأرب؟
القيادة الثورية حقيقة تسعى دائماً إلى لمِّ الشمل وحقن الدماء، ومن هذا المنطلق استطعنا أن نقاوم الاعتداءات سواء في مأرب، أَو الجوف، أَو في نهم، وغيرها، وحقّقنا انتصارات كبيرة؛ لأَنَّ القاعدة الشعبيّة معنا، وتعرف أن القيادة الثورية لا تقوم بأية أعمال انتقامية ممن يعودون إلى رشدهم.
وبالتالي في تصوري أن هذه الاستراتيجية هي عبارة عن مبادئ أثبتت نجاحها من خلال المسار الطويل من المعارك، وهناك معارك على طول اليمن وعرضها، وكانت الانتصارات فيها للقوى الوطنية؛ لأَنَّها لا تتبع أية جهة خارجية، ولا تتبع أية سياسات انتقامية أَو إقصائية، وبالعكس فكل أبناء اليمن يقاتلون للدفاع عن أرض الوطن.
– كيف تقيّمون دور أبناء وقبائل مأرب في تحرير مناطقهم من الغزاة والمحتلّين وعناصر القاعدة؟
لا شك عندما تنظر إلى الإمْكَانيات لدى عدونا، والحشود، والأموال التي تدفع، ليس هناك أي تفسير لهذه الانتصارات إلا بوجود تعاون الشعب بأكمله، وأهل مأرب هم من يقومون في الكثير من الفتوحات التي تأتي الآن بمساندة أبطال الجيش واللجان الشعبيّة، ومسيرة الثورة لم تستطع أن تنجح إلا بتعاضد وجهود المواطنين في كُـلّ مكان، حتى منذ بداية دخول صنعاء وتعاون أبناء المناطق المجاورة مثل أبناء عمران وصعدة وصنعاء كذلك؛ لأَنَّها ثورة شعبيّة لم تأتِ من الخارج، هي ثورة ذات سيادة خالصة، وتسعى للتحرّر من الهيمنة الأمريكية والسعوديّة التي عانى منها الشعب اليمني طوال الستة عقود الماضية.
– كيف تفسِّرون مشاركة العناصر التكفيرية القاعدة وداعش في القتال جنباً إلى جنب مع “الإصلاح” وتحالف العدوان بمأرب؟
في هذا الصدد دعنا نتساءل: من الذي أنشأ هذه العناصر التكفيرية، فالمعروف أن هذه العناصرَ أُنشِئت بحشد ثقافي وتوعية خاطئة للمذهب الوهَّـابي طيلة أربعة أَو خمسة عقود، وهذه الحركات إذَا بحثنا فيها هي في الحقيقة تخدم المصالح الصهيونية، ولعل الكثير يعرف أن هناك ما يشبه الجامعة العربية في تل أبيب، وهي تنتج مثل هؤلاء وتصدرهم إلى العالم الإسلامي لتفكيك الدين الإسلامي والعالم الإسلامي ودوله، ولعل ما حدث في العراق وسوريا وما حدث في كثير من الدول وما كان يحدث عندنا قبل الثورة أكبر دليل أن الممول لهذه الجماعات التكفيرية هم السعوديّة والولايات المتحدة الأمريكية، وضحاياهم في سوريا وفي لبنان، يتم معالجتهم في المستشفيات الإسرائيلية، وبالتالي ليس بالغريب أن تنضَمَّ هذه القوات أَو الجماعات التفكيرية إلى العدوّ الذي يشن عدوانه على اليمن دون أي مبرّر لا سياسي ولا ديني ولا قانوني ولا شرعي، إنما فقط لعودة الهيمنة السعوديّة على اليمن وخدمة المصالح الأمريكية، وتقسيم اليمن؛ باعتبَار خطة الشرق الأوسط الجديد التي ترتكز على تقسيم الدول العربية، وإضعافها، والاستيلاء على خيراتها، والمعروف أن اليمن مليءٌ بالخيرات والخبرات.
– ما الذي تبقى من مبادرة قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي بخصوص مأرب؟
المبادرة لا تزال باقية، لم تنتهِ، وستظل؛ لأَنَّ هناك حرصاً على أن يكون هناك انتصار دون إراقة دماء المدنيين، ولهذا نحن حريصون أشدَّ الحرص على أن يتم عودة الشعب اليمني بأكمله إلى لحمة الوطن، والانفكاك من عبودية النظام السعوديّ والنظام الإماراتي، ومن يقف خلفهما، والعودة إلى حضن الوطن، وبالتالي فَـإنَّ المبادرة موجودة، والمبادرة أكبر دليل على أنها لا تزال حية، والقبائل من “عبيدة” وَ”مراد” وكثير من القبائل يعودون إلى الوطن، ويلقون الترحيب، يدخلون صنعاء دخول المنتصر، وليس دخول المنهزمين، أَو المستسلمين، وهذه حقيقة يجب أن نشيد بها.
– دعت رباعية العدوان (أمريكا وبريطانيا والسعوديّة والإمارات) باستمرار لوقف المعارك في مأرب.. ما الذي تخشاه هذه الدول من تحرير المدينة؟
هذه الدول راهنت لفترة طويلة على من يسمى “الشرعية”، وفي الحقيقة ليس لهم أية “شرعية”، ويعتقدون أن تحرير مأرب يعني سقوط هذه الذريعة لاستمرار العدوان، وأنه سيكون هناك مجال لإنقاذ الشعب اليمني من هذا الحصار الخانق في المشتقات النفطية؛ باعتبَار أن من أهم موارد الحياة للشعب اليمني هي المشتقات النفطية، التي تعمل بها مستشفيات ومحطات الكهرباء والمياه، ووسائل الانتقال، وكلّ شيء متعلق بها، وهذه ثروة يمنية ليست لأحد، مع الإشارة أن من أشد وأخبث المبادئ التي يسير عليها العدوان وأعوانه استخدامه مثل هذا الموارد الحيوية كسلاح عسكري لتجويع الشعب اليمني كوسيلة ضغط، وهذه الحقيقة تناقض كُـلّ القوانين الدولية والقانون الدولي الإنساني، فالشعب اليمني يعيش في حالة حصار خانق جواً وبحراً وبراً، لا يسمح إلا بالبضائع السعوديّة لدخول اليمن، وبالتالي باعتقادي أن مأرب تمثل مخرجاً حيوياً للشعب اليمني من هذا الحصار الخانق.
– تتحدث عددٌ من التقارير الدولية عن مشاركة مباشرة للأمريكيين في معركة مأرب.. ما صحة ذلك؟
في الحقيقة نؤكّـد أن الأمريكيين مشاركون مباشرة منذ بداية العدوان، فالقرار صدر في واشنطن، الطائرات أمريكية، القنابل أمريكية، الطيارون أمريكيون وإسرائيليون، وَإذَا لم يكونوا كذلك فهم طيارون قد تم تدريبُهم في الولايات المتحدة الأمريكية، غرفة العمليات التي تصدر الأوامر بضرب جميع المواقع هي أمريكية، الطائرات التي تزود الطائرات الحربية هي طائرات أمريكية، وبالتالي أمريكا هي من تحاربنا، وعندما نقول إن عدونا أمريكا، بالفعل هي أمريكا التي تحاربنا.
– برأيكم.. لماذا يبدي المبعوث الأمريكي قلقاً متزايداً من تحرير مأرب؟
الحقيقة أن هذه سياسة بايدن، جاءت بصورة تشعر العالم أنه لديه توجّـهات مختلفة عن توجّـهات ترامب، ولكن الحقيقة أن كُـلّ أقواله ثبتت بالأعمال أنها تتوافق مع نفس مسار ترامب، وهو مسار استنزاف السعوديّة، وتحصيل مكاسب اقتصادية للولايات المتحدة، لمصانع الأسلحة، والتي لها دور كبير في الاقتصاد الأمريكي، وَأَيْـضاً السعي نحو عودة الهيمنة الأمريكية على المنطقة؛ لأَنَّهم يعتقدون على المدى الطويل ما يحدث من مقاومة للتواجد الأمريكي والصهيوني في المنطقة العربية يمثل خطورة، وبالتالي عندما يأتي مبعوث الأمم المتحدة، ويتحدث عن قلق هو مبعوث يسمى مبعوث سلام، ولكنه حقيقة مبعوث حرب، ففي آخر تصريح له قال: “يجب على قوى التحالف أن تجمعَ قواها لمواجهة ما يسمى بالحوثيين”، بينما الحقيقة أنه يواجه الشعب اليمني بأكمله، ولا يوجد شيء اسمه الحوثيين يقاتلون، الشعب اليمني بأكمله بجميع طوائفه وجميع قبائله ومناطقه يحاربون هذا العدوان، فلا نستغرب هذه المناورات السياسية الأمريكية.
– كلمة أخيرة تودون إضافتها؟
الحقيقة أن ما يمكن قوله في هذا الإطار: إن شواهد التاريخ وما يخبرنا به ديننا أَيْـضاً أن النصر في الأخير للحق، ولعل تجارب العالم سواء في فيتنام، أَو أفغانستان، أَو العراق، أَو سوريا، وفي اليمن، تدل على أنه بالرغم من مرارة العدوان وما يعانيه الشعوب، إلَّا أنه في الأخير النصر للشعوب، النصر للحق، والباطل ينهزم، ونحن نثق بالله عز وجل وبوعده الصادق القائل (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ)، ونحن على يقين أننا على صواب، فنحن لم نعتدِ على أحد.